باستراتيحية «فك العاني».. «داعش» يعوض خسائره البشرية بتهريب عناصره من السجون
عقيدة الدواعش
يأتي اعتماد التنظيم الإرهابي في اقتحام السجون، من قبيل العقيدة
الراسخة لديه؛ والتي جاءت تحت عديد من المسميات التي أطلقها التنظيم في كتيباته،
والتي منها «استراتيجية هدم الأسوار» أو «فك العاني» والمعروفة بما يسمى بـ«تحرير
الأسير»، إذ تدور جميعها حول طرق تهريب العناصر التكفيرية التي تقبع في السجون
وفقًا لمرجعية شرعية صيغت منذ زمن بعيد على أيدي عدد من رموز الجماعات والتنظيمات
الإرهابية.
الخطاب الأيديولوجي للتنظيم الداعشي يرتكز مباشرةً على قضية تحرير عناصره الإرهابية من السجون، في نوع من التحدي والمواجهة الصريحة للقوات النظامية، حيث نشر التنظيم
الإرهابي قبيل مقتل «البغدادي» بأيام تسجيلًا صوتيًّا، دعا فيه إلى إنقاذ عناصر التنظيم
وعائلاتهم المحتجزين في السجون والمخيمات، متوعدًا بالثأر لهم، كما تحدث العدد 246
من جريدة «النبأ» الداعشية، باستفاضة في مقالين منفصلين عن مجريات تهريب سجناء سجن
جلال أباد، وإلى منهجية التنظيم في عمليات «هدم الأسوار»، وطرق تهريب مقاتليه
وعناصره من داخل جدران السجون.
منتجع تكفيري
وعقيدة «داعش» في مداهمة السجون وتهريب أتباعه، شُرعنت على أيدي الكثير
من المرجعيات التكفيرية، لعل أشهرهم المدعو «أبوجندل الأزدي» أو ما يعرف بـ«فارس بن
أحمد آل شويل الزهراني»، المنظّر الشرعي لتنظيم «القاعدة»، والذي نُفذ فيه
حكم الإعدام في فبراير 2016، في المملكة العربية السعودية.
وأصدر «فارس آل شويل»، العديد من الأبحاث والدراسات الداعمة لتنظيم «القاعدة»
ومنحها الغطاء الفقهي، منها على سبيل المثال «الباحث عن حكم قتل أفراد وضباط المباحث»،
وكتاب «تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنّة الاغتيال»، وكتاب «وجوب استنقاذ المستضعفين
من سجون الطواغيت والمرتدين»، ويعد الأخير المشرعن الفقهي للكثير من المحاولات التي
استهدفت السجون، حيث استعان «آل شويل» في دراسته الشرعية عن «اقتحام السجون» بمجموعة
من الكتب التي تحدثت عن واقع السجون في أزمنة مختلفة، وفي ظل أنظمة سياسية متعددة،
بهدف تأصيل الفكرة ومنحها غطاءً دينيًّا، منها على سبيل المثال، كتاب «البوابة السوداء»،
للقيادي الإخواني أحمد رائف، و«الكتاب الأسود» لأيمن الظواهري، زعيم «القاعدة».
خطورة المخيمات
ومنذ سقوط «داعش» في مارس 2019، تحوّل مخيم الهول، الواقع في محافظة الحسكة
على الحدود السورية العراقية، لبؤرة ساخنة ومرتكز للفكر التكفيري عن طريق نساء التنظيم
المؤدلجات فكريًّا، إذ يضم ما يقرب من نحو 74 ألفًا من عوائل التنظيم عقب سقوط مناطق
ارتكازاته الجغرافية ومقتل الكثير من قياداته الفاعلة والمؤثرة على يد قوات التحالف
الدولي.
ويؤكد مراقبون، أن خطورة هذه المخيمات التي يقبع فيها عوائل التنظيم
وعناصره، تتمثل في كونها بمثابة قنبلة موقوتة في العمق السوري، نتيجة تحوّلها إلى ولايات
داعشية مصغرة، خاضعة تنظيميًّا لرجال التنظيم، وممتلئة بنماذج نسائية تعمل على نشر الانحرافات
الفقهية والشرعية بين قاطني المخيم، في ظل إرجاء وضعهن ضمن برامج تأهيلية على المستوى
الفكري والسلوكي والمجتمعي، للتخلص من رواسب المنهجية الداعشية في إطار المراجعة الفكرية، وأشاروا إلى أن التنظيم لن يتمكن من إعادة تمركزه جغرافيًّا في سوريا والعراق تحديدًا،
لأسباب كثيرة ومتعددة، لكن عمليات الهجوم على السجون واقتحامها، تمثل مؤشرًا خطيرًا لحالة الاستفاقة على مختلف المستويات في تنفيذ الهجمات المسلحة، لا سيما أن التنظيم
يعتمد على استراتيجية حروب العصابات، والجهاد المنخفض التكاليف، ومحاولة استنزاف خصومه
عن طريق ذئابه المنفردة، وإعادة بلورة الصورة الذهنية التي توحي بقوته وقدرة نفوذه
على الاستمرار والمواجهة، وفقًا لما يُعرف بـ«البروباجندا الإعلامية».
خلايا التماسيح
ويشير المراقبون، إلى أن تحركات التنظيم الأخيرة، وتمكنه من التخطيط للهجوم
على المنشآت العسكرية في سوريا، تنذر بخطورة التنظيم وقدرته على التحرك، واختراقه الدوائر
الأمنية في سوريا والعراق، فضلًا عن الأفرع المنتشرة في بعض الدول الآسيوية والأفريقية،
وروافده في العمق الأوروبي، المنحصرة بين «خلايا التماسيح»، والذئاب المنفردة.
تحرير عناصر السجون
وتعد عقيدة «اقتحام السجون»، ممتدّة منذ بدء تأسيس «أبومصعب الزرقاوي»
الذي قتل في غارة أمريكية 7 يونيو 2006، جماعته داعش، حيث كانت العملية الأولى بقيادة الأردني عمر يوسف جمعة، المكنّى
بـ«أبوأنس الشامي»، خلال محاولته السيطرة على سجن «أبوغريب» وتهريب عدد من التكفيرين
في سبتمبر 2004، مرورًا بنجاح المحاولة الثانية عام 2013، إذ استطاع التنظيم اقتحام
السجن ذاته، وسجن «التاجيي، وتهريب نحو 600 تكفيري.
وفي أغسطس 2020، قام تنظيم ما يسمى بـ«ولاية خراسان»، بتنفيذ هجوم على السجن المركزي في مدينة جلال أباد في ولاية ننجرهار شرق أفغانستان، أدّى إلى مقتل قرابة 30 عنصرًا من حراس السجن، وإصابة 50 عنصرًا آخرين، باستخدام 30 عنصرًا انغماسيًّا، وسيارة مفخخة بطن من المتفجرات، لنسف البوابة الأماميّة للسجن المحصّن وفقًا للإعلام الرسمي، وعلى إثرها تم تهريب أكثر من 300 تكفيري ممّن اعتقِلوا أواخر عام 2019
ترتيب صفوف.
وبات تنظيم داعش الإرهابي، الذي تحول إلى مجموعات تعتمد على الهجمات المباغتة
وحرب العصابات، في البحث عن إعادة ترتيب صفوفه وتعزيز قدراته بالمزيد من المقاتلين
من ذوي الخبرة في الوقت الذي انحسرت فيه قدراته على تجنيد واستقطاب مجندين جددًا في
ظل التضييق الغربي على قنوات تواصله عبر شبكة الإنترنت، بجانب الضربات الموجعة التي
تلقاها خلال الفترة الأخيرة ، لكن يبدو أنه بات ينظر للآلاف من مقاتليه المحتجزين لدى
قوات سوريا الديمقراطية كخزان مهم من الإرهابيين.
مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حذّر من أن داعش ربما
يخطط لهجوم جديد على السجون الواقعة في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية لتحرير المزيد من
عناصره، مشيرًا إلى أن قوات «قسد» تمكنت من السيطرة على الوضع وإنها اعتقلت المئات
من الفارين من عناصر داعش.
ورجح قائد قوات قسد، أن التنظيم المتطرف يبدو أنه ما زال يحتفظ بقوة
وقدرة على المباغتة، وأن مقاتليه ما زالوا جاهزين للتحرك، إذ تشكو قسد من عدم قدرتها
على تحمل أعباء الآلاف من معتقلي داعش وحذّرت مرارًا من خطر فرارهم، وقد زادت تلك المخاوف
على إثر الهجوم الأخير الذي شنه التنظيم على سجن غويران لتحرير عناصره ويقدر عددهم
بأكثر من 3 آلاف سجين.
وأشار قائد قوات سوريا الديمقراطية، إلى إن التنظيم لا يزال في محيط قواته، وأن عدم مكافحته والتصدي له سيتيح له إعادة الانتشار مجددًا، وأضاف أنه قاوم بشدة
خلال الهجوم الأخير على سجن غويران الذي خلف نحو 500 قتيل من الجانبين بينهم 121 من
المسلحين الأكراد.
وشكل مقتل زعيم التنظيم الإرهابي المدعو «أبوإبراهيم القرشي» في عملية أمريكية في شمال غرب سوريا قبل نحو أسبوعين ضربة قاصمة للتنظيم المتشدد لكنها
لم تكن العملية الوحيدة في سياق تحجيم خطر داعش فقد سبق للقوات الأمريكية أن قتلت في
السنوات الأخيرة قادة كبارًا بمن فيهم زعيم التنظيم أو الخليفة «أبوبكر البغدادي» ومع ذلك لا يزال التنظيم المتطرف يشكل خطرًا كبيرًا في كل من سوريا والعراق.
وتتقاسم السلطات العراقية، التي تضم سجونها آلاف من عناصر التنظيم
المتطرف، المخاوف ذاتها وقد شنت في الفترة القليلة الماضية حملة واسعة شملت سبعة سجون
في عملية استباقية ولتفكيك خلايا متطرفة محتملة داخل سجونها.
للمزيد: من تحت الرماد.. «داعش» ينعش معنويات عناصره باقتحام سجون سوريا





